هوامش حرة : وزراء بلا عمــــل

هوامش حرة



وزراء بلا عمــــل



يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـدة ‏‏



من وقت لآخر تطل علينا قصة مسئول كبير‏,‏سواء كان رئيسا للوزراء‏,‏ أو وزيرا أو مسئولا أمنيا أو سياسيا كبيرا كان يعمل أو مازال مع أحد رجال الأعمال‏..‏ وهذه الصيغة من العمل تطرح شجونـا وشكوكـا كثيرة وتكون دائما مثار خلاف‏..‏ إنها تطرح أمامنا هذا السؤال‏..‏ هل من حق مسئول رفيع المنصب أن يعمل مساعدا أو مستشارا لأحد رجال الأعمال‏..‏ لقد حدث ذلك أكثر من مرة أن وجدنا وزيرا سابقـا وهو يجلس أمام أحد رجال الأعمال يتلقي منه التعليمات والأوامر والقضية هنا ليست قضية وظيفة بقدر ما هي هيبة منصب ومسئولية قرار‏..‏



البعض يري أن ذلك أمر مشروع‏,‏ فليس هناك ما يمنع الوزير من أن يبحث عن عمل شريف‏..‏ وما هو الضرر في ذلك إذا كان الوزير قد أدي واجبه في المنصب وخرج منه وأصبح واجبا عليه أن يجد فرصة عمل أخري‏..‏ إن بعض الوزراء تركوا المنصب وهم في مراحل شبابهم ولا يعقل أن يبقي الوزير بلا عمل حتي آخر العمر لمجرد أنه كان يوما يحمل لقب الوزير‏..‏ إن معاش الوزير بل راتبه لا يكفي لمواجهة ضرورات الحياة‏..‏ وأمام المظهر الخارجي لسيادة الوزير وأعباء الأسرة وتكاليف الدواء والرعاية الصحية وربما زواج الأبناء والبنات أمام هذا كله يمكن أن تتجاوز معاناة الوزير كل الخطوط الحمراء‏,‏



وهنا نجد الرجل يبحث عن عمل كي يكمل رحلته مع الحياة‏..‏ هناك وزراء أثروا من المنصب ودخلوا في دائرة الملايين وهذه حقيقة نعرفها جميعا‏..‏ ونحن لا نتحدث عن هؤلاء‏,‏ ولكننا نتحدث عن وزير ترك المنصب ولا يملك شيئـا غير المعاش ماذا يفعل مثل هذا الرجل ولماذا لا يبحث عن عمل آخر حتي ولو كان مستشارا أو مساعدا عند أحد رجال الأعمال‏..‏ وبجانب هذا فإن بعض الوزراء يتمتعون بخبرات كبيرة‏,‏ ومن الظلم لهم وللمجتمع إهدار هذه الطاقات والخبرات من أجل سنوات وربما شهور قضاها الوزير في منصبه‏..‏ الرأي الآخر يري أن منصب الوزير أو رئيس الوزراء منصب لابد وأن يحظي باحترام المجتمع حتي ولو كان خارج هذا المنصب‏..‏ لا يتصور هذا الرأي أن يجلس رئيس وزراء سابق أمام رجل أعمال يأخذ منه التعليمات‏,‏ أو أن يتلقي منه راتبا شهريا أو مكافأة وحوافز‏..‏



هذا الرأي يضيف أيضا‏..‏ أن الوزير لديه أسرار كثيرة عن نشاط وزارته‏,‏ وأن هذه الأسرار يمكن أن يشتريها رجال الأعمال بأي صورة من الصور‏..‏ هناك علاقات دولية‏..‏ وأسرار عن الأسواق واتجاهاتها‏..‏ بل هناك أيضا علاقات مع أجهزة الدولة خاصة في قطاع يعمل فيه رجل الأعمال‏,‏ وكان الوزير مسئولا عنه‏..‏ ان القضية من حيث الشكل تبدو شائكة جدا‏,‏ خاصة إذا اقتربنا من جوانبها الإنسانية‏..‏ ولكن أخطر ما في هذا الطرح أن كثيرا من الوزراء عملوا بالفعل مع رجال أعمال بعد خروجهم من الوزارة وكان ذلك مثار دهشة وتساؤل‏..‏



هذا الخلاف في الرأي يجعلنا نتوقف عند بعض جوانب هذه القضية‏....‏ ‏*‏ إن معاش الوزير السابق أو حتي رئيس الوزراء لا يكفي لمواجهة أعباء الحياة لأنه لا يتجاوز بضع ألآف من الجنيهات‏..‏ وفي النهاية هذا الوزير مسئول عن أسرة وأبناء وأحفاد وعليه مسئوليات اجتماعية وإنسانية لابد أن يواجهها ولا يعيبه أن يعمل عملا شريفـا‏..‏ لم يكن في السابق لدينا رجال أعمال بهذا الحجم من النشاط المالي والاقتصادي‏,‏ ولهذا كان الوزير يخرج من منصبه ويجلس في بيته‏..‏ وكان بعض الوزراء يرثون عن أبائهم بعض العقارات أو الاراضي الزراعية ويعيشون منها‏..‏ وكان بعضهم ينفق من ماله الخاص علي منصبه حتي إن وزراء ما قبل ثورة يوليو كانوا يبيعون الأراضي الزراعية من أجل الإنفاق علي الوزارة‏..‏ ولكن في السنوات الأخيرة ظهرت طبقة رجال الأعمال الذين استعانوا بالوزراء السابقين لإ نجاز أعمالهم‏..‏ وهنا انتشرت هذه الظاهرة‏..‏


*‏ إن الدولة في معظم الأحوال لا تقدم للوزير السابق شيئـا غير معاشه بعد أن يترك المنصب وهذا المعاش لا يكفي‏..‏ إلا أن الغريب في الأمر أن الدولة نفسها تبخل علي البعض‏,‏ بينما تسرف في السخاء مع البعض الآخر‏..‏ قد تجد رئيس وزراء في بيته لا يحصل إلا علي معاش ضئيل كما حدث مع د‏.‏ كمال الجنزوري بينما رئيس وزراء آخر يتولي منصبا آخر ويحصل علي ملايين الجنيهات كما حدث مع د‏.‏عاطف عبيد‏,‏ولاشك أن الجنزوري وعبيد نموذج صارخ للتناقض الشديد في التعامل مع المسئولين السابقين بالدولة‏..‏ ولا توجد أسباب منطقية لهذا فلا رئيس الوزراء الذي يحصل علي الملايين لدية مؤهلات أكثر ولا رئيس الوزراء الذي جلس في بيته وحصل علي معاشه فقط ارتكب خطيئة نحاسبه عليها‏..‏ إنها حسابات غريبة تعطي البعض مالا يستحق وتحرم البعض الآخر مما يستحق‏..‏


*‏ لا أحد يعرف هل هناك قانون يحرم الوزير السابق من العمل في وظيفة عادية‏..‏ وإذا كان القانون يمنع فكيف عمل هؤلاء الوزراء في مكاتب رجال الأعمال‏..‏ وإذا كان القانون يضع ضوابط لذلك فلابد أن يضع أيضا ضمانات مادية لحماية الوزراء السابقين أمام ضرورات الحياة ومسئولياتها‏..‏


*‏ من الخطأ أن نتصور أن جميع الوزراء من أصحاب الملايين ليسوا في حاجة لوظيفة بعد أن يتركوا المنصب‏..‏ هناك عشرات الوزراء الذين يعيشون علي الكفاف‏..‏ وهناك أيضا من الوزراء أصحاب الملايين‏,‏ والمفروض أن تراعي الدولة هؤلاء الذين لا يملكون شيئـا غير المعاش الشهري‏..‏


*‏ إن هناك جانبا سلبيا في هذه القضية يخص بعض رجال الأعمال الذين حامت الشكوك حول ثرواتهم وارتباط الوزراء السابقين بهم‏,‏ ولاشك أن المطلوب من الوزير السابق إن يختار مكانـا يليق به من حيث السمعة والسلوك والأمانة‏..‏ أن بعض رجال الأعمال الذين حامت حولهم الشبهات في فترة من الفترات استطاعوا استقطاب عدد من كبار المسئولين في الدولة للعمل في مكاتبهم وشركاتهم‏,‏ وربما كان هؤلاء الكبار غطاء لتجاوزات كثيرة أو مكاسب حصل عليها رجال الأعمال دون وجه حق وبمساعدة وزير سابق أو مسئول كبير‏..‏


*‏ يجب أن تكون هناك ضوابط واضحة في عمل المسئولين السابقين في المؤسسات الخاصة حتي لا تختلط الأوراق لأن المسئول الكبير حتي ولو كان سابقـا فهو يتمتع بمميزات لا يتمتع بها غيره‏..‏ وهو يعرف الكثير مما لا يعرفه غيره ويجب أن يراعي حساسية موقعه حتي ولو خرج منه‏..‏



إن هذا لا ينطبق فقط علي السادة الوزراء السابقين‏,‏ ولكنه ينطبق أيضا علي كل صاحب منصب رفيع تركه‏..‏ أن هذا يحدث مع كبار المسئولين في أجهزة الأمن‏..‏ والسفراء‏..‏ وغيرها من المواقع الحساسة أن الكثير من هؤلاء يخرجون في شبابهم من مناصبهم‏,‏ ويكون أمامهم مشوار طويل في الحياة‏,‏ ويجب أن تقدم لهم الدولة الرعاية‏..‏



لا أتصور مثلا مسئولا أمنيا كبيرا سابقـا يعمل في مكتب أحد رجال الأعمال أو سفيرا ناجحا مرموقـا يعمل موظفـا في العلاقات العامة‏..‏ أن هناك أجهزة حساسة في مصر تحرص علي توفير مواقع عملية محترمة لكل أبنائها حتي وهم خارج الخدمة‏..‏ يجب أن تقتدي بقية أجهزة الدولة بهذا الأسلوب في التعامل‏..‏ إن قبول بعض المسئولين السابقين لمواقع عمل غير مناسبة لدي رجال الأعمال أمر يثير الشفقة والخجل في وقت واحد‏..‏



ما أكثر المواقع التي تستطيع الدولة الاستفادة من هذه الكفاءات سواء داخل الحكومة أو خارجها‏..‏ هناك ألآف المستشارين في مكاتب السادة الوزراء وهؤلاء يصلون إلي هذه المواقع بعلاقات خاصة ولكن لو تم وضع ضوابط موضوعية لهذه الاختيارات ربما وجدنا الشخص الأفضل في المكان المناسب‏..‏



ويبقي أن من حق الوزير السابق أن يبحث عن فرصة عمل مناسبة لأن هذا حقه‏..‏ ولكن مع من تكون الفرصة‏..‏ وما هي ضمانات الاختيار السليم والموقع المناسب‏..‏ هذه هي القضية‏..‏




..‏ ويبقي الشعر





لأنك سر‏..‏

وكل حياتي مشاع‏..‏ مشاع

ستبقين خلف كهوف الظلام

طقوسا‏..‏ ووهما



عناق سحاب‏..‏ ونجوي شعاع‏..‏

فلا أنت أرض‏..‏ ولا أنـت بحر

ولا أنت لقيا‏..‏



تطوف عليها ظلال الوداع

وتبقين خلف حدود الحياة

طريقـا‏..‏ وأمنـا



وإن كان عمري ضياعـا‏..‏ ضياع

لأنك سر

وكل حياتي مشاع مشاع‏..‏



فأرضي استبيحت‏..‏

وما عدت أملك فيها ذراع

كأني قطار يسافر فيه جميع البشر‏..‏



فقاطرة لا تمل الدموع

وأخري تهيم عليه الشموع

وأيام عمري غناوي السفر‏..‏



أعود إليك إذا ما سئمت زمانـا جحودا

تكسر صوتي علي راحتيه‏..‏

وبين عيونك لا أمتهن‏..‏

وأشعر أن الزمان الجحود



سينجب يوما زمانـا بريئـا‏..‏

ونحيا زمانـا‏..‏ غير الزمن

عرفت كثيرا‏..‏

وجربت في الحرب كل السيوف



وعدت مع الليل كهلا هزيلا

دماء وصمت وحزن‏..‏ وخوف

جنودي خانوا‏..‏ فأسلمت سيفي

وعدت وحيدا‏..‏



أجرجر نفسي عند الصباح

وفي القلب وكر لبعض الجراح‏..‏

وتبقين سرا وعشـا صغيرا‏..‏

إذا ما تعبت أعود إليه



فألقاك أمنا إذا عاد خوفي

يعانق خوفي‏..‏ ويحنو عليه

ويصبح عمري مشاعـا لديه

أراك ابتسامة يوم صبوح



تصارع عمرا عنيد السأم

وتأتي الهموم جموعا جموعا

تحاصر قلبي رياح الألم

فأهفو إليك‏..‏



واسمع صوتـا شجي النغم‏..‏

ويحمل قلبي بعيدا بعيدا‏..‏

فأعلو‏..‏ وأعلو‏..‏

ويضحي زماني تحت القدم



وتبقين أنت الملاذ الأخير‏..‏

ولاشيء بعدك غير العدم



قصيدة ولا شيء بعدك سنة‏1983‏

Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads