هوامش حرة : حروب بالدم‏..‏ وحرب بالكلام

هوامش حرة



حروب بالدم‏..‏ وحرب بالكلام



يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـدة







إذا كان من المهم والضروري أن نختار أصدقاءنا‏..‏ فإن الأهم هو أن نختار خصومنا هذا علي مستوي الأشخاص في الحياة العامة‏..‏ وهو ينطبق أيضا علي الشعوب‏..‏ وفي السياسة لا توجد صداقات دائمة ولا توجد أيضا خصومات أبدية‏..‏ وفي الأسابيع الماضية ومنذ اشتعلت النيران في غزة علي يد الهمجية الإسرائيلية امتلأت الساحة بأحداث كثيرة ربما عجز العقل عن استيعابها حتي الآن‏..‏ إن احتراق غزة لم يكن حدثـا عابرا مثل كل الأحداث ولكنه بكل المقاييس سيكون نقطة تحول خطيرة في مستقبل هذه المنطقة من العالم‏..‏



وربما كان احتراق غزة حلقة في سلسلة طويلة دامية بدأت مع وصول الرئيس الأمريكي جورج بوش إلي البيت الأبيض بكل ما خلفه من نكبات وكوارث لا أقول أنها شوهت وجه القوة العظمي فقط ولكنها شوهت تاريخ العالم لسنوات قادمة‏..‏ وقف الرئيس بوش خلف جرائم كثيرة علي مستوي العالم وإن كان رصيدها الأكبر في هذه المنطقة المنكوبة من العالم التي تسمي الشرق الأوسط‏..‏



كان أخطر ما واكب احتراق غزة هو المعركة الإعلامية شديدة الضراوة التي خاضتها الفضائيات العربية‏..‏ وللأسف الشديد أن المعركة لم تكن بيننا وبين الإعلام الصهيوني ولكنها لأول مرة كانت بين الإعلام العربي‏..‏ ورغم شدة النيران في هذه المعركة إلا أن الجميع خرج منها خاسرا فلم يحقق طرف من الأطراف فيها نصرا‏..‏ كانت الضحية الأولي في هذه المعارك هو ما شهدته الساحة العربية من عملية انقسام قد يصعب التئامها في المستقبل القريب‏..‏



وإذا كان التجاوز مسموح للصغار فإنه مرفوض تماما من الكبار‏..‏ ومن هنا توقفت عند الكثير من التجاوزات التي حدثت في الخطاب الإعلامي المصري مهما كانت سخونة المواجهة أو تحقيق نصر هنا أو هناك‏:‏


*‏ لا يليق أن يتصدر المذيعون والمذيعات وصغار الصحفيين واجهة مصر الإعلامية فتشهد سقطات كثيرة في لغة الحوار ومستوي الإقناع وسطحية الفكر وردود الفعل الساذجة‏..‏ إن مصر بكل ثقلها السياسي والثقافي والفكري لا يمكن أن يخرج منها هذا الشطط وهذه الألفاظ وهذه الطريقة في الحوار‏..‏ وعندما يجلس مذيع أو مذيعة متحدثـا بأسم مصر الشعب والدولة وعلي الهواء مباشرة فيجب أولا أن يكون علي مستوي القضايا التي يتحدث فيها إقناعا وثقلا وترفعا‏..‏ أما أن نجد مهاترات وألفاظ لا تليق تحت دعاوي التواجد الإعلامي والرد علي الآخرين فهذه خطايا لا تليق بمصر‏..‏ إنني أطالب السيد أنس الفقي وزير الإعلام بأن يضع ضوابط لبرامج الهواء حتي لا تتحول إلي عنتريات ساذجة وحتي لا يتصور بعض المذيعين أنهم زعماء سياسين‏..‏



عندما تتحدث مصر أو يتحدث أحد باسم مصر ينبغي أن يكون علي مستوي الوطن الذي يتحدث باسمه‏..‏ ومنذ متي كان المذيعون والمذيعات وصغار المحررين يتصدرون واجهة الإعلام المصري وأين الساسة المصريين والمفكرين والكتاب الكبار وأصحاب الرأي أين أساتذة الجامعات ورموز الأحزاب‏..‏ والغريب في الأمر أن بعض هؤلاء المذيعين كانوا يخاطبون رؤساء دول وحكام باسلوب لا يليق فمن الذي منحهم هذا الحق وباسم من يتحدثون‏..‏


*‏ في الوقت الذي كانت النيران تلتهم كل شيء في غزة تصدرت الساحة الإعلامية المصرية أسماء ارتبطت بعلاقات خاصة جدا مع إسرائيل طوال السنوات الماضية وكان ذلك واضحا أمام الجميع‏..‏ فهل يعقل وسط هذا الصراع الدامي وهذا العدوان الوحشي أن يكون المتحدثون باسم مصر وشعب مصر وحكومة مصر هذا الفصيل الشارد‏..‏ كان ينبغي أن يراجع الخطاب الإعلامي المصري قوائمه حتي لا يصدم الناس في الداخل والخارج ويحمل القرار المصري أكثر مما يحتمل‏..‏ بعض هذه الوجوه الشاردة أساء للدور المصري أكثر مما أفاده في هذه المواجهة الإعلامية‏..‏


*‏ منذ شهور قليلة كتبت مقالا في هذا المكان عنوانه بين المتن والهوامش وقلت فيه إن الهوامش تسعي لأن تكون متنا‏..‏ وإن المتن حين ينسي دوره ومسئولياته يعطي الفرصة للهوامش‏..‏ وهذه دعوة طالبت بها الإدارة الأمريكية في عهدها الأسود مع الرئيس بوش حينما طرحت فكرة أن الدول ليست بتعداد سكانها أو تاريخها وثقافتها ولكن الدول بما تقوم به من أدوار‏..‏ وقد صدق البعض هذه المقولة وتمادي في تأكيد دور الهوامش وهذا ما وصل بالعالم العربي إلي هذه الحالة من الانفصام‏..‏



ولابد أن نعترف أن الكبار تصوروا أن حقائق الزمن والتاريخ تكفي وأنها الأبقي والأكثر تأثيرا‏..‏ وأن الصغار لن ينجحوا في شطب التاريخ وتغيير بديهيات الزمن‏..‏ وفي تقديري أن الدخول في معارك مع هؤلاء الصغار لن يرفع من شأنهم وأن الكبير يجب أن يظل كبيرا ولا يجد نفسه في مواجهات ومعارك تسحب من رصيده ودوره أكثر مما تضيف إليه‏..‏ لقد هبط البعض بنا كشعب ودولة أمام حوارات وأحاديث لا ينبغي أن تصدر عن مصر التي نعرفها ويعرفها الجميع‏..‏ إن معارك الفضائيات مهما كانت سخونتها لا ينبغي أن نضعها بجوار معارك الدم والتضحيات‏..‏ سوف نخسر كثيرا‏,‏ ونحن الذين قدمنا الدماء‏,‏ إذا حاولنا أن نحارب بالفضائيات‏..‏ ولو فرضت علينا مثل هذه المعارك فيجب أن نخوضها بفكرنا نحن وليس بجهل الآخرين‏..‏ لا ينبغي ان نسمح لأحد أن يسحب من رصيد مصر الذي سطرته بدماء أبنائها وعقول مفكريها وساستها‏..‏


*‏ كنا أول من جرب المعارك الإعلامية ولنا تاريخ حافل فيها وإن كان البعض يري فيها الكثير من الأخطاء إلا أنها كانت تحرك شعوبا في يوم من الأيام‏..‏ ولكن معارك هذه الأيام تزيد الناس إحباطـا ويأسا وهنا ينبغي أن تكون لدينا الكلمة الرفيعة‏..‏ والرأي الحكيم‏..‏ هذا هو الفرق بين إعلام تحكمه الثروة وإعلام يحكمه الفكر‏..‏ ولكن للأسف الشديد أننا في أحيان كثيرة ننسي دورنا الحقيقي وأننا أصحاب فكر ودور ومسئولية‏..‏ لقد امتلأت سماء العالم العربي بمئات الفضائيات وكان ينبغي أن تكون هذه الفضائيات طريقـا لتوحيد كلمة هذه الأمة وجمع شملها ولكن الغريب أن العرب تركوا السلاح في المخازن وحاربوا بالفضائيات وتركوا غزة تحترق وبدلا من أن تتجه هذه الفضائيات إلي رؤوس الآخرين اتجهت إلي تقسيم الشعوب العربية ونشر الفوضي وحرب الشعارات‏..‏



كانت إسرائيل تذبح الشعب الفلسطيني في غزة بينما الفضائيات العربية تقطع شرايين آخر ما بقي من الروابط بين شعوب هذه الأمة من الاتهامات والتحريض والمتاجرة‏..‏



وقد تركت هذه المعارك آثارا سيئة علي المستوي السياسي والإنساني‏..‏ والفكري وكان المواطن العربي المسكين هو أول الضحايا‏..‏



معارك مصر يجب أن تكون كبيرة مثلها لأن الأشجار العريقة تلقي ثمارها للجميع حتي هؤلاء الصغار الذين يلقونها بالحجارة ولهذا لا ينبغي أن تتساوي في يوم من الأيام معارك الفضائيات الحنجورية‏..‏ ومعارك سالت فيها دماء‏..‏ وسقط شهداء وأصبحت وساما علي وجه الزمن والحياة‏..‏



إن مصر كانت دائما الأنبل والأكبر والأرفع‏..‏ وينبغي أن تظل في موقعها لأن هذا قدرها‏..‏ وقدرها‏.‏





‏fgoweda@ahram.org.eg







..‏ ويبقي الشعر





مت صامدا

ماذا تريد الآن من هذي الحياه

مجد وسلطان وتيجان وجاه ؟‏!‏



ماذا تقول

وأنت تكـبر كلما لاحت

أمام القدس أطواق النجاه



ماذا تقول

وأنت ترفع أمة سقطت

وضاعت تحت أقدام الطغاه



ماذا تقول

وأنت تبقي في ضمير الناس حيا

كلما نادي المؤذن للصلاه



ماذا تقول

وأنت أقوي من زمانك

أنت أكبر من جراحك



أنت معجزة الإله‏..‏

أي الوجوه سيذكر التاريخ‏..‏

جلاد حقير



أم شهيد عطـر الدنيا ثراه‏..‏ ؟

فرق كبير

بين من سلب الحياة من الشعوب



ومن أعاد لها الحياه‏..‏

مت صامدا

والعن زمان العجز‏..‏



والمجد المدنس تحت أقدام الغزاه

فلكل طاغية مدي‏..‏

ولكل ظـلم منتهاه

Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads