هوامش حرة : هل في مصر معارضة؟

هوامش حرة

هل في مصر معارضة؟

بقلم: فاروق جويدة





هل كل من انتقد أداء الحكومة‏,‏ أو أعلن العصيان علي قانون جائر‏,‏ أو سلط الأضواء علي خطأ ما يعتبر كاتبا معارضا‏..‏ وإذا كانت كل الأشياء كما يري البعض علي ما يرام‏,‏ وأنه ليس في الإمكان أفضل مما نحن فيه‏,‏ فما جدوي وجود أجهزة مثل الجهاز المركزي للمحاسبات

وهو مؤسسة حكومية ولماذا تقدم الرقابة الإدارية تقاريرها حول عمليات النهب والسرقة والاعتداء علي المال العام‏,‏ وهل يمكن أن نعتبر هذه المؤسسات قوي معارضة للحكومة والحزب الوطني‏..‏ وقبل هذا كله هل في مصر معارضة حقيقية مثل كل دول العالم المتقدم أم أننا مازلنا حتي الآن في الخطوة الأولي من طريق طويل يسمي الديمقراطية‏..‏

حين يطالب الإنسان بأبسط حقوقه في حياة كريمة تتوافر فيها الضروريات في الخبز والسكن والدواء والتعليم هل نعتبر ذلك تجاوزا‏..‏ وإذا طالب الإنسان بحقه في الحرية في أن يعبر عن رأيه حتي لو اختلف معه الآخرون هل يعتبر معارضا‏..‏ وإذا أصدرت الحكومة قانونا جائرا رغم موافقة السلطة التشريعية عليه ورأي المواطن أن من حقه أن يناقش هذا القانون هل يعتبر هذا المواطن خارجا علي القانون‏..‏ وإذا كشفت الصحافة جرائم اللصوص والمرتشين والمتاجرين بالمناصب هل يعتبر ذلك خروجا علي تقاليد صاحبة الجلالة‏..‏

أقول ذلك تعقيبا علي بعض الآراء الغريبة التي تتحدث دائما عن شيء يسمي المعارضة‏..‏ ويطلقون ذلك علي كل كاتب لا يسبح بحمد الحكومة ولا يسجد أمام قراراتها السماوية ويطلب منها الصفح والغفران حتي لو أخطأت وتجاوزت وفعلت كل ما يتنافي مع العدالة والأمانة والشفافية‏..‏

كيف نقول إن فلانا كاتب معارض وماذا تعني المعارضة في رأي هؤلاء‏..‏

هل كل من يطالب بحقوق المواطنين يعتبر معارضا‏..‏ حتي ولو لم يكن عضوا في حزب أو تنظيم أو جبهة سياسية فبماذا نسميه‏..‏ هل كل من يخرج علي القطيع أو يغني خارج السرب نراه متجاوزا‏..‏

إن هذا الخلط في المواقف والآراء يجعلنا دائما في حالة ارتباك دائم أمام مجتمع فقد الكثير من المعايير والقيم التي تحكم السلوكيات والمواقف‏..‏

لا أعتقد أننا بهذا الفهم الخاطيء ندرك المعني الحقيقي للمعارضة‏..‏ ليس لدينا تلك الأحزاب القوية ببرامجها وجماهيرها وافكارها حتي ندعي أن لدينا معارضة سياسية حقيقية‏..‏ لا يوجد في مصر حزب حقيقي معارض‏..‏ ولا توجد في الأحزاب المصرية الحالية تلك الكوادر التي يمكن أن تتشكل منها حكومة أو يخرج منها تيار فكري أو سياسي أو تستطيع أن تحرك الجماهير في اتجاه معين‏..‏

في دول الديمقراطيات الحقيقية توجد أحزاب تحكم ولكن الأهم من الأحزاب الحاكمة هو الأحزاب المعارضة‏..‏ وإذا كانت هناك حكومة حزبية في السلطة فهناك حكومة ظل تنتظر دورها في الشارع‏..‏ أن لها صحافتها القوية‏..‏ ولها أعضاء في البرلمان ولها برامج تنتظرها الجماهير‏..‏ وقبل هذا كله هي أحزاب لها تأثيرها الكبير في الشارع حيث تستطيع أن تحركه في أي وقت وفي أي اتجاه‏..‏

هذه الأحزاب لها مدارسها الفكرية التي يتخرج فيها الوزراء والمسئولون والقادة وهي قادرة دائما علي أن تجدد شبابها بقيادات ودماء جديدة‏,‏وهذا هو الفرق بين مجتمع يحكمه تداول السلطة وآخر يعاني من جمودها‏..‏ وهذه الأحزاب المعارضة تنتظر دائما الفرصة لتصل إلي الحكم لتنفذ برامجها ولهذا نراها دائما في حالة استعداد في أي لحظة لتمسك بعجلة القيادة‏..‏ وفي هذا الإطار يكون لهذه الأحزاب كتابها ومفكروها الذين يعبرون عن توجهات هذه الأحزاب ولا يمكن أن نطلق عليهم كتابا معارضين لأنهم في الحقيقة أكبر من أشخاصهم أنهم يمثلون فكر أحزاب قوية تتحدث باسم الجماهير‏..‏

وفي مصر لا يوجد شيء من ذلك كله‏..‏ ولهذا من الخطأ أم نقول إن هذا كاتب معارض يتحدث باسم حزب معين حيث لا حزب ولا معارضة‏..‏ ولكن هناك كاتبا تلقي كتاباته صدي لدي المواطنين لأنه يعبر عن أشياء قريبة منهم‏...‏ ومن المؤسف أن تسمع من يقول أن كتاب المعارضة في مصر لا يجدون شيئـا حسنـا علي الإطلاق أنهم يتصيدون أخطاء الحكومة‏..‏ وحتي لو كان هذا الأمر حقيقة فلماذا نسكت عن الأخطاء‏..‏ برغم أن المسئولين هم أحق الناس بمراجعة أخطائهم وهم الأولي بكشفها وعلاجها أمام المواطنين‏..‏

كيف نطلق لقب كاتب معارض علي كل من يكشف تجاوزات أو كوارث ويطالب الحكومة بمواجهتها والبحث عن حلول لها‏..‏ ما أكثر المواقف التي كان من الضروري مواجهتها والبحث عن أسبابها‏..‏ وقد شارك في هذه المواقف عشرات الكتاب الذين أبدوا أراء أو طرحوا فكرا أو أثاروا قضية ولا أعتقد أنهم فعلوا ذلك من باب المعارضة من أجل المعارضة أنهم أشخاص حريصون علي مصالح هذا الوطن وتحركهم دوافع وطنية صادقة لمطاردة الفساد والمفسدين‏..‏

‏*‏ حين بدأ الحديث عن كارثة توزيع الأراضي في مصر وما حدث فيها من أخطاء وتجاوزات وعمليات نهب تجاوزت كل الحدود في كل المناطق تقريبا‏..‏ لم يكن ذلك مجرد كتابات لأقلام معارضة ولكنها كانت دفاعا عن ثروة وطن ومستقبل أجيال ضد عصابات نهبت هذه الثروة بحماية من السلطة والقوانين ومازالت آثارها حتي الآن‏..‏ وكلنا نعلم الجرائم التي ارتكبت في نهب الثروة العقارية وهي ملك لكل المواطنين‏.‏ما حدث في المدن الجديدة وفي الساحل الشمالي وفي المناطق السياحية في شرم الشيخ والغردقة حتي وصلت التجاوزات إلي الصحاري البعيدة‏..‏ لا يمكن أن يقال إن ذلك كان أمرا طبيعيا بل هو كارثة بكل المقاييس ولا أعتقد أن هناك شخصا واحدا يمكن أن يدافع عن هذه التجاوزات أو أن يقف في صفها لأنها تتنافي مع كل الأعراف والقيم‏..‏

‏*‏ عندما تتكشف بعض الجرائم مثل قضية سياج و‏400‏ مليون جنيه تدفعها الحكومة من مال هذا الشعب تعويضا له نتيجة أخطاء جسيمة ارتكبها المسئولون عن توزيع الأراضي أو رفضوا تنفيذ أحكام القضاء أو التلاعب في المال العام‏..‏ حين يتم الكشف عن مثل هذه الجريمة أيا كان المسئول عنها فإن ذلك لا يمكن أن يحسب كموقف مؤيد أو معارض‏..‏ إنها جريمة لا ينبغي ألا يختلف عليها أحد سواء كان مؤيدا أم معارضا أنها كارثة بكل المقاييس وسيدفع الجميع ثمنها‏..‏

‏*‏ عندما يثور الشارع المصري رافضا قانون الضريبة العقارية بكل ما فيها من تجاوزات وأن يطالب بإعفاء السكن الخاص في هذا القانون‏..‏ ألا يعتبر ذلك حقـا للموطنين في أن يعبروا عن رأيهم من خلال الصحافة وأصحاب الرأي حتي ولو كان القانون قد صدر ووافق عليه مجلس الشعب‏..‏

‏*‏ عندما تجتاح تلال الزبالة البيوت وتهدد الصحة العامة‏..‏ وعندما لا يجد المواطن الماء النظيف أو رغيف الخبز أو العلاج في المستشفي او التعليم في المدرسة أو يموت من أجل الحصول علي أنبوبة بوتاجاز‏,‏ حين يطالب المواطن بحقه في هذه الخدمات هل يعتبر معارضا‏..‏ وهل قبول أكوام الزبالة وإغلاق المخابز واختلاط مياه الشرب بالمجاري قضايا يمكن أن يدافع عنها أحد وهل يمكن أن يدافع المسئولون في الحزب الوطني عن هذه الكوارث‏..‏

‏*‏ وحين تطرح الحكومة مئات المشروعات في برنامج الخصخصة للبيع دون دراسة أو متابعة ونري المشروعات الكبري وهي تباع بأقل من أسعارها ونجد العمال في الشوارع بلا عمل‏..‏ ونجد مصانع الأسمنت والحديد والمواد الكيماوية والأسمدة وغيرها من السلع الاستراتيجية وقد أصبحت ملكـا لمجموعة من الأشخاص يحتكرون الأسعار والأسواق والبشر هل يمكن أن يكون ذلك عملا مشروعا او نشاطـا طبيعيا أليس من حقنا أن نطالب بمحاكمة المسئولين عن بيع هذه المشروعات حتي لو كانوا في قبورهم‏..‏

‏*‏ وحين يهرب المئات من رجال الأعمال بأموال البنوك ونطالب الحكومة بالكشف عن هذه الجرائم ومطاردة هؤلاء الهاربين في أبعد نقطة في الكون لاسترداد أموال الشعب هل يحتاج ذلك إلي مواقف معارضة أم أننا جميعا ينبغي أن نقف في خندق واحد مهما يكن حجم الخلافات بيننا‏..‏

وعندما تتغاضي الحكومة عن أخطاء المسئولين فيها ويتغاضي مجلس الشعب عن محاسبة الحكومة ونسمع القصص والحكايات عن نهب المال العام‏..‏ وحين يقف الجهاز المركزي للمحاسبات مطالبا بوضع ضوابط للإنفاق الحكومي ويصرخ فينا بسبب ارتفاع حجم الديون الداخلية والخارجية ويتحدث عن أزمة البطالة وارتفاع الأسعار وعدم تحصيل الضرائب من رجال الأعمال‏..‏ هل مثل هذه القضايا تخص المعارضة وحدها وهل الجهاز المركزي للمحاسبات وهو جهاز حكومي يعتبر جهازا معارضا‏..‏

‏*‏ وحين تحدث تجاوزات سياسية أو ثقافية أو حتي رياضية هل نقبلها ونسكت عنها أم أن الأمانة والمصداقية تتطلب أن ننبه إلي هذه الأخطاء والتجاوزات من أجل تعديل المسار‏..‏ وإصلاح ما يمكن إصلاحه‏..‏

في الكثير من الأزمات مثل الخبز والمياه والنظافة والغاز والزبالة كانت لنا أخطاء وهناك ردود أفعال كانت في غاية السوء من الأجهزة المسئولة سياسيا وثقافيا ورياضيا واقتصاديا هل معني ذلك أن نسكت ونقول ليس في الامكان أفضل مما نحن فيه‏..‏ أو نتهم كل من يتحدث في هذه القضايا بأنه معارض‏..‏

‏*‏ هل يمكن السكوت عما يحدث من وقت لآخر من تجاوزات بين المسلمين والأقباط صارت حديثـا للعالم كله في وطن قام تاريخه كله علي هذه الوحدة التي تأصلت عبر مئات السنين‏..‏ هل نخفي رءوسنا في الرمال ونقول لا يوجد شيء علي الإطلاق أم نواجه الحقيقة ونحاول أن نبحث عن أسباب الأزمات وكيف نواجهها‏..‏ وإذا أخطأت أجهزة الدولة في مثل هذه المواقف هل ندافع عن أخطاء أم نبحث عن الحقيقة‏..‏

بعض الزملاء من حملة الأقلام والمباخر يتصورون أن كل من يكشف عن خطأ أو يطالب بمواقف أكثر حسما في مواجهة الأزمات التي يعاني منها المواطنون يعتبر كاتبا معارضا برغم أن المعارضة في حد ذاتها لا تمثل هدفـا أو أغراء‏..‏ فهي ضد المكاسب الشخصية ولغة المصالح وما أسهل أن ينضم الكاتب إلي مواكب المنافقين‏,‏ وكذابي الزفة وطوابير المنتفعين بحثـا عن صفقة أو منصب أو قطعة أرض فيري الباطل حقـا ويري الحرام حلالا‏..‏ ولكن ما أصدق سيدنا عمر رضي الله عنه عندما قال‏'‏ آه منك يا حق لقد أغضبت مني الناس جميعا‏'‏


‏..‏ ويبقي الشعر

لو أنـنـا‏..‏ لم نـفـتـرق

لبقيت نجما في سمائك ساريا

وتـركت عمري في لهيبك يحترق

لـو أنـني سافرت في قمم السحاب

وعدت نـهرا في ربوعك ينطلق

لكنـها الأحلام تـنثــرنـا سرابا في المدي

وتـظل سرا‏..‏ في الجوانح يخـتنق

لو أنـنـا‏..‏ لم نـفـتـرق

كـانـت خطانـا في ذهول تـبتعد

وتـشـدنا أشواقـنا

فنعود نـمسك بالطـريق المرتـعد

تـلقي بنـا اللـحظات

في صخب الزحام كأنـنـا

جسد تناثـر في جسد

جسدان في جسد نسير‏..‏ وحولنـا

كانت وجوه النـاس تجري كالرياح

فلا نـري منـهم أحد

مازلت أذكر عندما جاء الرحيل‏..‏

وصاح في عيني الأرق

وتـعثــرت أنفاسنـا بين الضـلوع

وعاد يشطـرنا القـلق

ورأيت عمري في يديك

رياح صيف عابث

ورماد أحلام‏..‏ وشيئـا من ورق

هذا أنا

عمري ورق

حلمي ورق

طفل صغير في جحيم الموج

حاصره الغـرق

ضوء طريد في عيون الأفـق

يطويه الشـفق

نجم أضاء الكون يوما‏..‏ واحتـرق


Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads