هوامش حرة
لا بديل عن الحوار
يكتبها: فاروق جـــويـــدة
لا أعتقد أن من مصلحة الدولة أن تجهض تجربة رائدة في حجم وإنجازات نادي القضاة الذي يقدم الخدمات الإنسانية لأكثر من عشرة آلاف قاض.. ولا أتصور كما يشيع البعض أن المستشار ممدوح مرعي وزير العدل قد جاء لإتمام هذه المهمة.. فالرجل قاض قبل أن يكون وزيرا وهو يدرك هموم القضاة ومتاعبهم أكثر من أي شخص آخر..
كما إنني لا أتصور أن في نيته أن يفعل ذلك كما أكد في حديثه الطويل مع نخبة من الكتاب والصحفيين..
ولكن السؤال الذي يلح علينا دائما في الفترة الأخيرة.. لماذا تزداد حدة المواجهة بين الدولة ونادي القضاة وهل هناك من يسعي إلي هذه الفرقة.. أم أن هناك أطرافا يهمها أن تزداد مساحة الخلاف وان تتسع دائرة القطيعة بين وزارة العدل ونادي القضاة..
في الأسبوع الماضي تحدثت عن لقاء مع المستشار ممدوح مرعي وزير العدل وأشدت في حديثي عن جوانب كثيرة في شخصية الرجل وأنه بالفعل يسعي الي إدارة حكيمة لقضية العدالة في مصر وأنه بحكم تاريخه ومناصبه يدرك حجم هذا العبء ويعلم مسئولياته..
ولقد زارني المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادي القضاة منذ أيام ووضع أمامي مجموعة نقاط أساسية يعلم وزير العدل الكثير منها وهي تمثل ضرورات قصوي للقضاة سواء في توفير حياة أفضل لهم أو تسهيل إجراءات أو قرارات تتصل بخدمات يقدمها النادي لأعضائه وهذه الخدمات كما يري رئيس النادي لا ينبغي أن تكون مثار خلاف بين الوزير ممثلا للحكومة وبين النادي ممثلا للقضاة وهي جميعا لا تتجاوز دور النادي في خدمة القضاة:
* أن بدل انتقال القضاة لم يتغير منذ أكثر من عشرين عاما وهو45 جنيها لكل قاض.. وإذا كان النادي يطالب الحكومة بزيادة قيمة هذا البدل فإن ذلك مطلب مشروع في ظل أرتفاع تكاليف المعيشة وأعباء الحياة خاصة أن القاضي يعمل في ظروف صعبة وينبغي أن تتوافر له مجموعة شكليات تتناسب مع مظهره ومسئولياته خاصة في الأقاليم والأماكن البعيدة التي تتطلب وسائل انتقال مناسبة..
* كان نادي القضاة يقوم بجميع الإجراءات الإدارية المطلوبة من القضاة لإتمام مراسم الحج فقد كانت هناك موافقات جماعية تشمل التأشيرات وإجراءات السفر وإصدار الجوازات في قرار جماعي يضم جميع القضاة.. وقد كان شيئآ غريبا أن تطبق وزارة العدل نظاما جديدا يحرم القضاة من كل هذه التسهيلات بحيث يذهب كل قاض لإتمام أوراقه ويتنقل بين العديد من الجهات حتي يكمل إجراءات سفره.. فهل مسئولية وزارة العدل ان تريح القضاة أم تلقي عليهم أعباء التنقل بين جهات عديدة لاستكمال إجراءات سفرهم لأداء الفريضة..
* إذا كانت الحكومة قد خصصت عشرة أفدنة لإقامة نادي القضاة في القطامية وليس علي ضفاف النيل فما الذي يضير وزارة العدل أو أي جهة أخري في أن يكون للقضاة وعائلاتهم مكان يعشيون فيه حياتهم مثل كل المواطنين خاصة أننا نشاهد علي شواطيء النيل عشرات الأماكن المخصصة لفئات مختلفة من المواطنيين في صورة نواد.. وما الذي يضير وزارة العدل أن تتحمل تكاليف هذا النادي من أجل أناس يقدمون أعمارهم وحياتهم خدمة للوطن والعدالة..
* لن يضير الحكومة أن يطبع نادي القضاة كتابا تذكاريا عن تاريخ المحاكم في مصر كانت كل تكاليفه منذ15 عاما عشرة آلاف جنيه حصل كل قاض علي نسخة من هذا الكتاب لكي يحتفظ بها في مكتبته تذكارا عزيزا لتاريخ قضاة مصر..وهل تجاوز النادي حين طبع ثلاثة كتب أخري ضرورية تدخل في صميم عمل القاضي ورسالته تكلفت جميعها27 ألف جنيه..
* هل تجاوز النادي عندما طالب أعضاؤه من القضاة بإختلاف درجاتهم أن تتوافر الضمانات الأمنية من الحكومة لتوفير إشراف قضائي حقيقي علي الانتخابات.. وهل يعتبر ذلك تدخلا في الحياة الساسية.. وإذا كان الدستور والقانون يمنحون هذا الحق للقاضي فكيف نعتبر ذلك تجاوزا وتدخلا في الحياة السياسية.. وإذا كان القاضي مكلفا بالإشراف علي العملية الانتخابية وهي تدخل في صميم العمل السياسي فكيف نطالبه بأن يكون بعيدا عن السياسة ؟
* أليس من حق القاضي وهو مواطن في الدرجة الأولي أن يعبر عن رأيه وفكره بطريقة مشروعة في أحوال بلده بما لا يتعارض مع المسئولية والحرص علي الصالح العام.. إن القاضي مواطن مهموم بقضايا وطنه وأمته مثل كل الملايين من المواطنيين ولهذا ليس غريبا أن يشارك في حوار حول هذه القضايا وان يكون صاحب رأي فيها..
* لماذا تذكر الآن الجهاز المركزي للمحاسبات ميزانية نادي القضاة ألم يكن النادي أمامه من سنوات أم أن هناك نيات مسبقة لدي الدولة ربما وجدت في دفاتر النادي ما يشجعها علي تنفيذ هذه النيات.. أنا لا اعتقد أن الجهاز المركزي للمحاسبات وأنا أعرف د. الملط المسئول الأول فيه يمكن أن يقبل القيام بهذا الدور لأن الرجل أكبر من ذلك.. من حق الجهاز أن يشرف علي ميزانية النادي ولكن مثل إشرافه علي أي جهاز أو مؤسسة من مؤسسات الدولة ولكن المغرضون يقولون أن دخول الجهاز المركزي للمحاسبات إلي نادي القضاة جاء تمهيدا لكشف مخالفات وفرض حراسة وتصفية وجود.
لقد كان حديث المستشار زكريا عبد العزيز واضحا معي وهو يؤكد أن النادي يقوم بأداء خدمات للقضاة في كل النواحي الصحية.. والإدارية.. والإنسانية.. وأن هذه مسئوليته الأولي وان الدولة يجب أن تدعم ذلك.. لأن معني تراجع الدولة عن تقديم الدعم المالي المطلوب للنادي أن يعجز عن أداء هذه الخدمات فهل يمكن أن يحدث ذلك مع القضاة حماة العدالة..
إن مصادر تمويل أنشطة النادي واضحة ومعروفة سواء كانت حصيلة رسوم أو ودائع أو صناديق, كما أن مجالات الدعم التي تقدمها الحكومة للقضاة واضحة للجميع في مناسبات مثل الحج أو الخدمات, وما عدا ذلك فإن النادي يقدم خدمات صحية وإنسانية غاية في التميز حرصا علي حياة أعضائه..
أن وزير العدل المستشار ممدوح مرعي يعرف كل هذه الخدمات وكما أكد في أحاديثه الأخيرة أنه لم يأت وزيرا لكي ينهي دور نادي القضاة ويغلق أبوابه.. كما أن هذا النادي العريق يشمل نخبة كبيرة من قضاة مصر وهم وسام علي صدرها..
علي الجانب الآخر فإن رئيس النادي وأعضاء مجلس إدارته حريصون علي أن يؤدي النادي دوره في خدمة القضاة وأن يكون علي علاقة طيبة بكل مؤسسات الدولة لأنه يخدم في الأساس هذه الشعب وأن النادي ليس مؤسسة سياسية ولكنه مؤسسة خدمات لأعضائه..
من هنا نأتي إلي خلاصة هذا الحديث لأن المطلوب أن تؤكد الدولة أنها لا تسعي إلي حل نادي القضاة أو تقليص دوره بأن تغلق أبواب ذلك علي كل من يسعي لهذه المهمة أو يعمل لها ابتداء بالدعم الذي تقدمه وزارة العدل للنادي وانتهاء بما يقوم به الجهاز المركزي للمحاسبات من مراجعات مالية وإدارية وإذا كان ذلك أمرا مطلوبا فينبغي أن يكون الحساب علي الفترة الأخيرة من نشاط النادي في ظل مجلس إدارته الحالي وليس المجالس السابقة لأنه لا يعقل أن نحاسب هذه المجلس علي أخطاء أو تجاوزات مضي عليها عشرات السنين ولم يكن شريكا فيها..
لقد لمست في حديث وزير العدل المستشار ممدوح مرعي روحا طيبة وحرصا شديدا علي النادي ورسالته ودوره في خدمة أهل العدالة.. كما أن مجلس إدارة النادي يحمل تقديرا عميقا للمستشار مرعي وهذه الروح تجعلني أطالب الجميع بجلسة حوار تتلاقي فيها كل الأفكار والتوجهات.. أن وزير العدل رجل قضاء.. ومجلس إدارة النادي وكل أعضائه من القضاة ولا ينبغي أن يتركوا فرصة لخلاف في المواقف أن يسيء إلي نخبة نعتز بها جميعا.. ولهذا أتمني أن تشهد الأيام القليلة القادمة لقاء في مكتب وزير العدل مع أعضاء مجلس إدارة النادي فلا يعقل أن نترك الحوار يتصاعد كل يوم علي صفحات الجرائد وشاشات التليفزيون بينما تستطيع جلسة واحدة بين قضاة مصر أن تذيب الكثير من الجليد وتعيد الكثير من المودة وتجدد الكثير من الثقة والتفاهم بين قضاتنا الأجلاء..
أنها دعوة من كل إنسان حريص علي أمن واستقرار هذا الوطن فلسنا في حاجة إلي المزيد من الصراعات بل نحن في حاجة إلي حوار جاد تتكشف فيه الحقائق.. لتبقي مصلحة الوطن هي الأمل والغاية.. فهل أسرفت في أحلامي.. لا أعتقد أنني أسرفت..
ويبقي الشعر
يا سيدي
اتـرك لنا هذا العلم
كل الذي نرجوه.. أن يبقي لنـا هذا العلم
اتـرك صلاح الدين
والسيف المحنط فـوق أطـلال الهرم
واتـرك لنـا شيئـا
يذكـرنـا بهذي الأرض بعض نخيلها
بعض الخـيول.. وما تبقـي في دمانا من همم
اتـرك لنا خوذاتنـا الصفراء.. عل بريقـها
يوما يضيء مقابـر الشهداء..
تـنبت من بقـاياهم ذراع.. أو قـدم
ويثـور في صمت الرمال..
صهيل أوردة.. وأكفـان.. ودم
ويطل من أعماق هذا اللـيل وجه غـاضب
وبـكـل سطـر في ملامحه ألـم
سيقـوم من صمت التـراب
ويرفع الأيدي الـتي سكنت
ويمسك في أصابعه قلم
ويعود يكـتـب من جديد
فـوق جدران الهرم
اقـرأ وربـك الأكـرم
الـذي علـم بالـقـلم
علـم الإنسان ما لـم يعـلم
أنـتـم_ ورب النـاس_ من خـير الأمم
أنـتـم_ ورب النـاس_ من خـير الأمم