حـزب الأغـلبيـة‏..‏ والخطـايـا العشـر

هوامش حرة

حـزب الأغـلبيـة‏..‏ والخطـايـا العشـر

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـــدة



فاجأت الانتخابات البرلمانية الحزب الوطني وبدا في الصورة وهو يترنح أمام ضربات موجعة وقاسية وهو يخسر دوائر انتخابية ظلت مغلقة عليه زمنا طويلا‏..‏ كان الحزب الوطني قد رتب أحواله علي أساس أنه قادر علي حسم نتائج هذه الانتخابات منذ بدايتها ثم اتضحت له الحقيقة وهو أنه أمام اختبار صعب ومواجهة عنيفة‏..‏ وإذا كان البعض ـ وأنا منهم ـ قد توقع ذلك منذ فترة بعيدة ونبه إليها مبكرا فإن البعض الآخر لم يستطع أن يتحمل قسوة المفاجأة وهي بكل المقاييس حدث غير عادي في تاريخ السياسة المصرية‏..‏



لن أحاول أبدا أن أضع الملح علي الجرح كما يقولون ولكنني سأحاول اليوم تشخيص الأسباب التي جعلت نتائج الانتخابات في مرحلتيها الأولي والثانية تصل إلي هذه الصورة التي لم يتوقعها المسئولون في الحزب الوطني‏..‏ أستطيع أن أحدد عشر خطايا وقع فيها حزب الأغلبية وهي التي جعلته يواجه هذا الموقف الصعب وهذه التجربة القاسية‏..‏

أولا‏:‏ أن الحزب الوطني أخطأ عندما خلط الأوراق ما بين انتخابات الرئاسة والانتخابات البرلمانية متناسيا أن التأييد الشعبي الذي حصل عليه الرئيس مبارك ليس بصفته رئيسا للحزب الوطني ولكنه تأييد لشخص مبارك في ظرف تاريخي صعب فرض الالتفاف حول الرجل ليكمل مشواره من أجل صياغة واقع سياسي أفضل‏..‏ وكان الخطأ الأساسي أن قيادات الحزب تصورت أن التأييد الشعبي الذي حصل عليه مبارك سوف ينتقل بالضرورة إلي تأييد مرشحي الحزب في الانتخابات البرلمانية‏..‏ وكان هذا نتيجة فهم خاطئ بأن الحزب ـ بكوادره وتنظيماته ـ هو الذي حقق هذه النتيجة في انتخابات الرئاسة وهذا افتراض خاطئ لأن الانتخابات الرئاسية اختلفت تماما في نتائجها عن الانتخابات البرلمانية‏..‏ ولا نبالغ إذا قلنا إن الحزب الوطني كان ومازال يمثل عبئا ثقيلا علي الرئيس مبارك‏.‏



ثانيا‏:‏ أن الحزب الوطني تعامل مع الانتخابات البرلمانية بدرجة كبيرة من الثقة معتمدا علي نتائج ما تحقق في انتخابات الرئاسة‏..‏ وقد وصلت هذه الثقة إلي درجة الغرور والتعالي في لغة الخطاب بين قيادات الحزب والمواطنين‏..‏ وقد تعجبت كثيرا من هذه اللغة المتعالية وأنا أتابع قيادات كبري في الحزب وهي تتحدث بلغة غريبة فيها الكثير من العجرفة التي وصلت إلي حد إهانة مشاعر الناس‏..‏ وقد وصل هذا الإحساس إلي كثيرين غيري ممن تابعوا لغة الخطاب والحوار والأحاديث من قيادات الحزب الوطني وقد ترك ذلك أثرا سيئا واستقبله المواطنون بدرجة كبيرة من السخط والرفض والسخرية‏..‏ ولا أريد أن اتحدث عن مقابلات تليفزيونية لعدد من كبار المسئولين في الحزب كانوا يتحدثون وكأنهم يخاطبون قطيعا من البشر وقد أدي ذلك إلي حالة استهجان عامة لدي طوائف الشعب المختلفة انعكست علي الانتخابات بصورة مباشرة‏.‏



ثالثا‏:‏ أن الحزب الوطني اعتمد في معركته الانتخابية علي قطاع واحد راهن عليه ومنحه كل الإمكانات والتسهيلات والأموال وهم رجال الأعمال‏..‏ ونسي الحزب في هذه السياسة فصائل أخري من الشعب من بينهم المثقفين وأهل الفكر والعمال والفلاحين والطبقة الوسطي‏..‏ إن المشروع الفكري الهزيل للحزب الوطني هو الذي وصل بنا إلي كل هذه النتائج‏..‏ لقد أهمل الحزب الجانبين الثقافي والفكري متناسيا أن المجتمع المصري صاحب تاريخ ثقافي طويل يمتد في أعماق الناس منذ مئات السنين‏..‏



كانت هناك جوانب فكرية في المعركة البرلمانية أهملها الحزب الوطني تماما بينما كانت هناك أطراف أخري تركز عليها بشدة ونجحت في ذلك نجاحا أكيدا سواء اتفقنا أو اختلفنا حول فكر هذه الأطراف‏..‏ لقد كان الجانب الثقافي من أخطر الجوانب التي أهملها الحزب الوطني وفي تقديري أن هزيمته في الشارع المصري هزيمة ثقافية بالدرجة الأولي‏.‏



رابعا‏:‏ في الوقت الذي اهتم فيه الحزب الوطني بالشرائح العليا من المجتمع من الأثرياء ورجال الأعمال والهاربين بأموال البنوك كانت هناك طبقات أخري تئن في قاع المجتمع من العمال الذين طردتهم الخصخصة من مصانعهم والفلاحين الذين أكلتهم سموم المبيدات ودودة القطن والأسعار التي التهمت ما بقي من الجميع‏..‏

إذا رصدنا بعض الدوائر الانتخابية سوف نجد مثلا أن الحزب الوطني لقي هزيمة ساحقة في محافظات مثل المنوفية والغربية والبحيرة والإسكندرية والمدن الصناعية ومدن القناة‏..‏ ولنا أن نتذكر هنا غياب الحزب في أحداث الفتنة الطائفية في أكثر من مناسبة‏..‏ وغيابه في إضراب عمال مصانع شبين الكوم في المنوفية‏..‏ وبيع مصانع الزيوت في الغربية‏..‏ وما حدث في مصانع المحلة‏..‏ وما حدث في بورسعيد من أزمات ومشكلات‏..‏ في كل هذه الأحداث الدامية كان الحزب الوطني غائبا تماما عن هموم المواطنين بينما كان البعض الآخر يقدم الدواء والطبيب في المسجد والغطاء والطعام في الكوارث ويعطي الدروس الخصوصية للتلاميذ في المدارس ويقدم السلع المدعومة والملابس للطبقات الفقيرة‏..‏ وعندما جاء وقت الحصاد حاولت الجماهير أن ترد الجميل لمن كان معها‏.‏



خامسا‏:‏ في الوقت الذي كان فيه المجلس القومي للمرأة يعقد اجتماعاته التليفزيونية في القاهرة كانت هناك مظاهرة تعدادها‏2000‏ سيدة محجبة ذهبن من محافظات مصر لتأييد المرشحين في مدينة الإسكندرية‏..‏ وفي هذه الانتخابات ضربت المرأة المصرية نموذجا رائعا في الحضور والتصويت والمشاركة ولكن للأسف الشديد أنها لم تكن المرأة الوحيدة التي يعرفها ويهتم بها الحزب الوطني والمجلس القومي للمرأة‏..‏ إنهن النساء الكادحات المتعبات من أبناء الطبقة المتوسطة والطبقات الفقيرة ومن يراجع صور الشاشات علي الفضائيات العربية سوف يدرك نوعية المرأة التي شاركت في هذه الانتخابات بالجدية والحسم والتفاعل بينما غابت وجوه أخري اعتادت أن تظهر في المناسبات العامة وحفلات المجتمع الراقي والليونز والروتاري وعروض الأزياء الفاخرة‏..‏ والأغرب من ذلك كله غياب المرأة تماما من قوائم المرشحين في حزب الأغلبية‏.‏



سادسا‏:‏ كان الإعلام المصري متوازنا وموضوعيا في معركة انتخابات الرئاسة وأعطاها قدرا من الاحترام والجدية‏..‏ وكان علي النقيض من ذلك في الانتخابات البرلمانية‏..‏ كانت الدعاية للحزب الوطني ساذجة بصورة مؤسفة‏..‏ أغنيات غريبة‏..‏ وبرامج حادة بلا مبرر‏..‏ وهجومية بلا موضوعية‏..‏ ومجموعة من أصحاب المصالح أساءوا للحزب اكثر مما دافعوا عنه‏..‏ والغريب أن للحزب الوطني جريدة لا يقرأها أحد وفي يده كل المنابر ورغم ذلك سخرها بصورة لم تكن أبدا لمصلحته‏..‏ إن الإعلام الساذج يتحمل جزءا كبيرا من مسئولية نتائج الانتخابات البرلمانية وخسائر الحزب الوطني فيها‏..‏ لقد أدار معركته الإعلامية رغم ضراوتها وقوة تأثيرها بصورة تركت تعاطفا شديدا مع أطراف أخري لا تملك شيئا غير التواصل المباشر مع الناس‏.‏



سابعا‏:‏ لقد دفع الحزب الوطني في هذه المعركة ثمن أخطائه مع أحزاب المعارضة ودفعت أحزاب المعارضة في هذه المعركة ثمن تهاونها بل وتواطئها أحيانا مع الحزب الوطني‏..‏ إن القهر الذي مارسه الحزب الوطني علي نشاط الأحزاب السياسية وأساليب التلاعب والتحايل التي اتبعها مع هذه الأحزاب كانت من الأسباب الرئيسية التي أجهضت نشاط هذه الأحزاب ودفعت بها إلي طريق مسدود وأبعدتها تماما عن الشارع المصري‏..‏ وفي الوقت نفسه فإن سلبية هذه الأحزاب وصفقاتها الغريبة مع حزب الأغلبية كانت السبب الرئيسي في هذه النتائج المؤسفة نتيجة غياب تأثير هذه الأحزاب في الواقع السياسي المصري‏..‏ وبجانب هذا فإن بقاء القيادات الحزبية سنوات طويلة دون أن تغير فكرها أو رموزها أو تجدد شبابها جعلها خارج حدود الزمن والأحداث‏..‏ لقد جني الحزب الوطني علي أحزاب المعارضة وجنت هي علي نفسها عندما اكتفت بالمقر والدعم والصحيفة وتركت الشارع خاليا‏.‏



ثامنا‏:‏ هناك عشرات الأسماء التي كان ينبغي أن تختفي تماما من أجندة الحزب الوطني ثم فاجأ الجميع بأن وضعها في أولويات قوائمه‏..‏ كانت هذه الأسماء قد وصلت إلي ما يشبه الرفض الجماعي لها لأسباب كثيرة تتعلق بالسمعة والشفافية وقضايا فساد واضحة المعالم‏..‏ والغريب أن الحزب أصر علي أن تبقي هذه الأسماء في قوائم مرشحيه رغم أنف الجميع وكانت النتيجة هذا السقوط المروع الذي فرضته أصوات المواطنين‏..‏ وكان ينبغي أن يدرك حزب الأغلبية بحسه الوطني وشعوره بالناس أن هذه الأسماء قد ماتت وشبعت موتا ولم يبق إلا أن تأخذ مكانها الذي تستحقه‏..‏ إن إصرار الحزب علي ترشيح أشخاص مرفوضين جماهيريا كان خطأ فادحا بكل المقاييس دفع الحزب ثمنه غاليا‏.‏



تاسعا‏:‏ كان ينبغي أن يراجع الحزب الوطني بوعي ودقة نتائج انتخابات سبقت في النقابات المهنية والعمالية‏..‏ وأن يرصد ما حدث في المحليات وأن يتابع النشاط السياسي المنظم والمدروس بدقة في الشارع المصري حتي يقدر إمكاناته بلا مبالغة ويعرف قوة الآخرين بلا استخفاف‏..‏ ولكنه للأسف الشديد اهتم فقط بالشعارات ولم يدرك الحقائق‏..‏ كانت هناك مقدمات واضحة لما حدث أخيرا ولو تابعنا انتخابات نقابات الأطباء والمحامين والمهندسين والصحفيين لأدركنا حجم التغير الذي حدث في الشارع المصري بعيدا عن عيوننا‏..‏



عاشرا‏:‏ لنا أن نتصور حزبا خلفه حكومة ويرأسه رئيس الدولة‏..‏ وتحت يديه كل الإمكانات ثم يسقط من حسابه تماما نصف المجتمع وهي المرأة أي‏35‏ مليون مواطن وأكثر من عشرة ملايين من الأقباط لم يرشح منهم أحدا‏..‏ وأكثر من عشرة ملايين من الطبقة المتوسطة كانوا خارج السياق بجانب المثقفين وأهل الفكر والفلاحين والعمال وملايين العاطلين‏..‏ وبعد ذلك كله يصر علي أنه حزب الأغلبية‏..‏ إذا لم يستوعب الحزب الوطني درس هذه الانتخابات فعلينا أن ننتظر كوارث أكبر‏.‏



ويبقي الشعر



أطلق أسود الوغي للنهر تحرسه

لن يحرس النهر بعد اليوم تضليل



لن يقتلوا الشمس مهما غاب موعدها

إن مزقوا الشمس لن تخبو القناديل



ما زلت في العين ضوء لا يفارقنا

فالكل يمضي‏..‏ وتبقي أنت يا نيل
 
 
 
Mostafa Abdel-Hafeez

طالب بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة الفيوم هاوي قراءة الشعر والمقالات

أحدث أقدم

Blog ads